كتلة من اليورانيوم 235 عالي التخصيب - حقوق الصورة لوزارة الطاقة في الولايات المتحدة |
ربما تعتقد أن عصر الإنفتاح النووي قد بدأ من أمريكا، ولكن دولة الجابون الأفريقية هي أول دولة بدأ فيها تفاعل نووي انشطاري في العالم. الجابون هي واحدة من أغني البلدان الأفريقية، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد هناك أربعة أضعاف دخل الفرد لجيرانها. ويهيمن النفط علي اقتصادها، تليه تصدير الأخشاب والمنجنيز ولفترة ليست بطويلة قامت الجابون أيضاً بتصدير اليورانيوم، والمواد الخام الهامة والثمينة التي تستخدم في محطات الطاقة النووية والأسلحة النووية. لدولة الجابون خلفية تاريخية عظيمة، فمنذ ما يقرب من ملياري سنة كان هناك علي أرضها ما يكفي من عنصر اليورانيوم لخلق انشطار نووي.
يتكون اليورانيوم في الطبيعة في ثلاثة أشكال، كل شكل يختلف عن الآخر بعدد النيوترونات الموجودة في النواة. الشكل الأكثر شيوعاً هو اليورانيوم 238 الذي يمثل 99% من إجمالي اليورانيوم الموجود علي الأرض. حوالي 0.72% من يورانيوم 235 وكمية ضئيلة جداً حوالي 0.006% من اليورانيوم 234. جميع تلك الأشكال من اليورانيوم غير مستقرة وهي ذات نشاط إشعاعي بسيط، لكن فقط اليورانيوم 238 و 235 يستطيعان الإنشطار النووي خصوصاً اليورانيوم 235 ينشطر بسهولة أكبر، وبالتالي فهو الوقود الأكثر شيوعاً في مفاعلات الطاقة النووية.
أشكال اليورانيوم الثلاثة تستخرج من قشرة الأرض، حيث يحتوي أي خام من اليورانيوم المستخرج اليوم علي نسبة لا تقل عن 0.72% من اليورانيوم 235. مع ذلك فإن هذا التركيز غير كافي للحث علي الإنشطار النووي، ويجب تخصيب اليورانيوم أولاً من خلال عملية معقدة بإستخدام أجهزة الطرد المركزي والإنشطار الغازي بحيث يصبح تركيزه لا يقل عن 3%. يتطلب المفاعل النووي النموذجي مابين 3% : 5% من اليورانيوم 235، والقنابل النووية تتطلب نسبة هائلة تصل إلي 90%.
الإنشطار النووي لليورانيوم 235 |
تتغير نسبة عنصري اليورانيوم 235 و 238 في الخام المستخرج من الأرض نظراً لأن اليورانيوم عنصر مشع ويتحلل لعناصر أخري مع مرور الزمن. يتحلل اليورانيوم 238 بمعدل أبطأ (عمر 4.5 مليار عام) مقارنة باليورانيوم 235 (عمر 700 مليون عام). كما تشير الدراسات بأن كلما نعود بالزمن كلما تزداد تلك النسب، كان تركيز اليورانيوم 235 ما يقرب من 4% منذ ملياري عام، و17% علي الأرجح في وقت تكوين النظام الشمسي.
في عام 1972 تم اكتشاف مفاعل نووي طبيعي، حيث كان في ذلك الوقت الفرنسيون يقومون بالتنقيب عن اليورانيوم - دولة الجابون مستعمرة فرنسية سابقة - لاستخدامه في محطات الطاقة النووية، وأثناء القياس الروتيني لخام اليورانيوم المستخرج من منجم في "أوكلو - Oklo" جنوبي شرق الجابون، لاحظ الفرنسيون ان محتوي اليورانيوم 235 في الخام في حدود 0.60% وبعد الفحص عن العناصر الأخري المضمنة في الخام المستخرج وجدت أن تلك النسب تشبه وبشدة تلك النسب الموجودة في الوقود المستنفذ المتولد عن محطات الطاقة النووية الحديثة والمعاصرة، وهذا الأمر يشير إلي حقيقة لا جدال فيها أن منطقة منجم أوكلو - الجابون خضع للانشطار النووي التلقائي في وقت ما منذ زمن سحيق.
بقايا أكسيد اليورانيوم باللون الأصفر داخل حقل أوكلو - الصورة من Robert D. Loss/APOD |
خلال السنوات القليلة بعد الإكتشاف، توصل العلماء والباحثون إلي كيفية حدوث تلك التفاعلات ما قبل التاريخ بحوالي 2.4 مليار سنة، ويرجع ذلك للنشاط البيولوجي للبكتيريا الزرقاء التي تسببت في زيادة نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض بحوالي 100 ضعف، هذا الأمر سمح بأكسدة اليورانيوم الغير قابل للذوبان وجعله أكسيد قابلاً للذوبان. حيث أدت المياه الناتجة عن هطول الأمطار إلي إذابة اليورانيوم وترسيبه في طبقات الحجر الرملي حتي أصبح الوضع مناسباً لبدء سلسلة من التفاعلات النووية.
تسبب توفر الماء في إبطاء خروج النيوترونات من الذرات، وعندما أصبحت الحرارة الناتجة عن الانشطار النووي كبير للغاية قد غلي الماء كله وتوقف التفاعل، بمجرد عودة المياه مرة أخري تبدأ عملية التفاعل مرة أخري، ربما استغرقت عملية النشاط فترات قصيرة للغاية ولكن تشير الرياضيات أن تلك المفاعلات الطبيعية كانت تشتغل لمدة 30 دقيقة وتتوقف لمدة 3 ساعات تقريباً.
عملت مفاعلات الجابون بشكل متقطع لمدة تقرب من المليون عام أو أكثر حتي أصبح تركيز اليورانيوم 235 منخفضة جداً حيث لا تسمح بإستمرار التفاعلات، يقدر العلماء أن متوسط إنتاج الطاقة من تلك المفاعلات ربما كان حوالي 100 كيلووات.
المصدر: Amusing Planet.