غادرت مدينتي ذات الأصول القروية وهي احدي مدن محافظات الوجه البحري التي من سماتها الرئيسية الزراعة والسياحة الدينية والفرعونية, وكانت وجهتي هي احدي المدن الساحلية المصرية وكان ذلك لغرض السكن للدراسة. وكلّي أمل وسعادة في أيامي التي سوف أقضيها في هذه المدينة المحببة إلي قلبي والتي اتشوق لزيارتها كلما سنحت الفرصة منذ نعومة أظافري …
منذ عدة سنوات أكتشفت وللآسف تحلي فئة من سكان هذه المدينة بسلوك غريب قد يكون هو احد صفات “العصبية القبلية” التي نعرفها عن أيام الجاهلية, وظهر هذا الشعور عندما احسست بإيمان هؤلاء الناس بأنهم وحدهم هم أهل الحضر ودونهم من الناس هم مجرد “فلّاحين” إيماناً منهم بأن “الفلاحين” هم أقل أهمية او وجاهه إجتماعية عنهم! علي الرغم من ضيقة من هم في مثل حالتي ويتعرضون لمثل هذه المواقف ولكن انا انظر لهذه الأمور من نظرة لا تعيرها اهتماماً كبيراً بقدر ما أنفق من وقتي لإيضاح وتصحيح فكرة الشخص الذي يظن نفسه حضري وينظر للإنسان الذي ينحدر من أصول قروية بنظرة من الإستهجان او بنظرة إستهزاء.
عندما تحدثت لأحدهم وكان معجب بعقليتي وبطريقة تفكيري وما لبث وان سألني “انت منين؟” حتي وان جاوبته انا من “المدينة الفلانية التابعة للمحافظة الفلانية” حتي ينظر إلي ويقول نعم “إنهم فلاحين!” اتعجب قائلاً “نعم فلاحين” لينظر إلي بنظرات مبتسمة!.
أشفق كثيراً علي هؤلاء الأشخاص ذوات النظرة القصيرة للشخصيات الذين يتعاملون معهم! وفي غالب الأمر يكون هذا الشخص مجرد كيان فارغ من الداخل وقد يكون احد هؤلاء الفلاحين هو أفضل منه وشخص فعّال اكثر منه.
فلا شك بأن أهل الحضر وأهل الريف هم الأعمدة الرئيسية لأي دولة في العالم, وهم معطيات تكوين اي مجتمع دولي, فهناك فلاحين في شتي بقاع العالم بأسره من دول عربية وأجنبية سواء كانت متقدمة أو نامية, وأشك وأعتقد انه لا يوجد في هذه الدول نعره “العصبية القبلية” علي ما أعتقد ذلك الا في بلدنا وربما تكون موجودة ايضاً في العديد من الدول العربية المسلمة الآخري!.
بالمناسبة, طالما أهل الحضر هم بهذه الوجاهه الإجتماعية فأعتقد انهم علي قدر من العلم والإحترام, وبطبيعة الحال من مظاهر التمدن والتحضر هي إحترام الآخر مهما كانت مكانتة او شخصيتة او وظيفتة ومن هو عكس ذلك فهو شخص غير متحضر إطلاقاً.
ولابد ان يعرف هؤلاء انه لا فرق بينه وبين الفلاح والصعيدي والنوبي لأنهم جميعاً يحملون نفس الجنسية ونفس شكل بطاقة الرقم القومي وجميعهم يذهب للمصالح الحكومية مثلهم مثل غيرهم من فئات المجتمع المصري! وعلاوة علي ذلك لابد وان يتحلوا بالأخلاق الحميدة الذي يرعاها لنا ديننا الإسلامي الحنيف بدليل الحديث الشريف “لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوي”.
أصلح الله حالنا وحالكم وعقولنا وعقولكم ان شاء الله.